هي دي مصر يا عبلة

تربينا منذ صغرنا على العديد من الأعمال الدرامية التي اقتحمت عالم الجاسوسية والمخابرات. وجعلتنا هذه الأعمال على علم لا بأس به بقواعد بسيطة في مسألة الجاسوسية. اتذكر جمعة الشوان وهو يتحسس رقبته خائفا من اعدامه. والرعب الذي عاشه رأفت الهجان من اكتشاف امره وسط اعداءه. واعدام ميت حيث كان القتل هو مصير محمود عبد العزيز. ومن منا لا يعرف الجملة الأشهر في هذه النوعية من الأعمال “هي دي مصر يا عبلة” عندما كانت عبلة في طريقها الى ارض مصر للقبض عليها.

وفي غير الأعمال الدرامية نجد العديد من قضايا الجاسوسية والعمالة في الواقع ونعرف بدون الحاجة الى خبير في القانون ان عقوبة الخيانة العظمى هي الاعدام او السجن المؤبد. يعني باختصار الموضوع ليس فيه “تهريج” ولا “يمّا ارحميني” كما نقول في مصر.

ولكن في عالم حكايات فضيلة مفتي الديار المصرية الوضع مختلف. فالمسألة لا تتعدى قرصة اذن. كيف ذلك؟ فلنرى ما حكاه عن البهائيين في مصر في الستينيات.

“في هذه الفترة وجدوا اتصال غريب بين جماعات وبين اسرائيل. فجابوهم، انتوا بتعملوا كده ليه؟ قالولهم اصل احنا ديننا اسمه دين السلام واحنى لازم نسعى الى السلام فندي المعلومات ديه للآخرين بصورة توحي بالسلام. فراحوا قافلينها (المحافل) مش علشان هما بيضيقوا على العقائد ده عشان هما متهمين بالاتصال مع العدو في زمن الحرب.”

بس كده؟

هذه القصة بما انها من المفروض تنتمي الى عالم الواقع فانها تثير العديد من الاسئلة التي لا أجد لها اجابات. اذا كانت التهمة هي التخابر مع العدو. وكان هناك اعتراف من المتهمين بانهم بالفعل يمدونه بمعلومات. فماذا كان الحكم؟ لم نسمع عن أي حكم في هذه القضية اساسا بل كان الحكم وقتها بالبراءة. ولم تكن التهمة من الأصل بالتجسس او العمالة بل كانت التهمة ممارسة شعائر الدين البهائي المخالف للنظام العام. هل يريد فضيلته ان نصدق ان كل ما فعله الأمن في مواجهة جماعة (وليس فرد) تمارس التجسس انه اغلق اماكن تجمعهم فقط وتركهم لحال سبيلهم؟ لماذا لم يتخذ اي اجراء تجاه الأفراد انفسهم؟ أين رقم القضية وصيغة الحكم وماذا كانت العقوية. واذا لم يكن هناك اي من هذه المستندات فلا شيئ من هذه القصة صحيح أو على الأقل لا تثبت هذه القصة اي شيئ.

الحقائق، التي تنتمي الى عالم الواقع، تقول أن حتى هذا اليوم لم يصدر اي حكم ادانة بأي تهمة على أي بهائي في مصر. ولم توجه للبهائيين اطلاقا تهمة التجسس أو العمالة. مع أن أكثر الاشاعات انتشارا عن البهائيين انهم عملاء للصهيونية. فأرجو من فضيلة المفتي مراجعة ما قاله بناء على الواقع وبعيدا ان أي حكايات لن نستطيع للأسف قبولها لأنها بعيدة تماما عن المعقول وليس فقط عن الحقيقة.

فلنتخيل كل الأعمال الشيقة التي شاهدناها من قبل ولكن قياسا على ما يريدنا الشيخ الفضيل ان نصدقه. ستتحول اشهر جملة في تاريخ افلام الجاسوسية الى “كخ كده يا عبلة”…