الحلوة بتقول حاسب ماتبصّش

في الكثير من الأوقات أجد نفسي مارا بمواقف اعلق عليها في ذهني وأتأثر بها بشدة. ومنذ بدأت هذه المدونة وأنا أحاول عدم الكتابة عن الكثير من هذه المواقف و تركها جانبا. لأنها أولا ليست على علاقة مباشرة بموضوع المدونة وثانيا لأنها قد تؤخذ بحساسية (لا أوافق عليها) من بعض الأشخاص الذين لا يقبلون أن يتحدث شخص ذو مرجعية غير اسلامية في أمور تبدو لهم اسلامية.

بالنسبة للنقطة الأولى لا يحدث عموما بشكل يومي ما يستدعي الكتابة في الإطار المباشر للموضوع. الا لو أردت تسجيل المعاناة اليومية من عدم وجود بطاقة شخصية معي. وهذا قد يكون مملا ومكررا كما أجده. وبالمناسبة، سمعتم آخر نكته؟ واحد حب يدفع اشتراك الانترنت بنظام السحب الشهري من الفيزا طلبو منه بطاقة رقم قومي. تم تارارام تام تام…

أما الثانية فلقد قررت كسرها. فأنا في الأول والآخر مواطن مصري مثل كل المصريين وأتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر بكل ما يحدث في هذا البلد ولي العديد من التعليقات على ما يدور حولي. قد يظن البعض أن هناك من الأمور ما هو اسلامي ولكن في الحقيقة اختلطت العادات والأفكار بالدين واصبح التفرقة بين ما هو اسلامي وما هو مصري في بعض الأحيان صعب.

ما دفعني الى الكتابة الآن هو موضوع قرأته في أحد الجرائد وكان بمثابة القشة التي جابت البعير على بوزه. الجريدة هي الحلوة، وهي جريدة مصرية أسبوعية نسائية (مهمة جدا نسائية في هذا الموضوع) نادرا ما أشتريها. والموضوع عن الحمل، وهو لقاء مع الدكتور طارق المحمودي. وأحد عناوين الموضوع “لا أفضل حضور الزوج لحظات الولادة”. يا خبر! داحنا على وش ولادة. ما هي الأسباب الطبية والعلمية يا ترى لهذا الرأي؟ قول يا دكتور يا خبرة منكم نستفيد. قفزت بين السطور الى هذه الفقرة لأقرأ: “في تقديري أرى ان حضور الزوج للحظات الولادة غير صحيح بالمرة لأن هذا الزوج عندما تقدم لكي يتزوج هذه السيدة رآها بصورة معينة وبشكل جميل ولكن لو دخل ليرى زوجته اثناء الولادة فسيرى منظرا غير جميل او غير الذي تعود ان يراها عليه وفي تقديري ان هذا المشهد سيترك اثرا في نفسه دائما”

معقول وصل الحس المرهف الرقيق لرجال هذا الزمن الى مثل هذه الدرجة التي نخشى عليه فيها من رؤية زوجته تلد؟ معقول وضعنا الرجل في منتصف الكون وجعلنا كل شيئ يدور حوله ويعمل من أجل راحته؟ هل اصبحت عملية الولادة روتينية لهذه الدرجة لهذا الطبيب حتى انتزع منها كل المشاعر لتصبح بهذا التأثير “الوحش” على الرجل؟

يالنسبة لي أنا أضع مثل هذا التفكير في قالب واحد مع فكرة ان المرأة هي السبب في اثارة الرجل وعليها ان تحتشم لتحمي الرجل من مثل هذه الأفكار. المرأة هي التي يجب ان تغير من نفسها وتحتشم وتتحجب وتلزم المنزل وتربي الأبناء وتتزين لزوجها وتتجاهل متطلباتها ومشاعرها كي لا يهتز توازن الكون الذكوري الذي يدور حول الرجل. تنال البنت القسط الوفير من المضايقات في الشارع والسبب “ما هي اللي لابسه بص ازاي” وتقوم بمعظم أعمال المنزل “لأن الراجل بميعرفش يعمل الحاجات دي” وتتولى مسؤولية الأولاد “أمال عايزاني أنا أغيرله؟” وآخر المسيرة “ماتبصش لو سمحت” والا ستتأثر نفسيا بحقيقة أن زوجتك امرأه في أجمل لحظات عمرها وهي تلد طفلكما.

المشكلة أن المرأة استسلمت لمثل هذه الأفكار وكـأنها حقائق كونية. هكذا خلقنا الله فماذا نفعل؟ البنات بالفعل بعتقدون أن الله يحاسبهن بذنوب اذا نظر رجل الى شعرها المكشوف. النساء مقتنعات انه شيئ طبيعي أن يخرج زوجها مع اصدقائه ليلا بينما هي في البيت مع الأولاد. الأمهات يربين بناتهن على أن الأخ من حقه السهر خارج المنزل والخروج كمايشاء.والمجلات النسائية تفرد صفحاتها لمثل هذا الطبيب تاركينه يقول من العبث ما يهين كل الأمهات في كل تاريخ البشرية.

ليس عجيبا اذن ان تعترض النساء قبل الرجال على المساواة بين الرجل والمرأة ويكون المفهوم السائد هو “ربنا خلقنا كده”.