الانسان بطريق ناطق

 Happy Feet

شاهدت اليوم فيلم Happy Feet أو “الأقدام السعيدة”. الحمد لله انهم لم يسموا الفيلم تجاريا”قدم السعد” كعادتهم في اختيار الأسامي التجارية. كنت اتوقع فيلما خفيفا بمضمون عن كيف تكون مختلفا وسط مجتمع يفرض ان تكون متماشيا مع السائد وهذا من الاعلان. لكني وجدته فيلما مخيفا بعض الشيئ وموضوع الاختلاف فيه عن السائد يأخذ ابعادا أعمق.

الفيلم مستواه السينمائي متواضع فالحبكة الدرامية غير متماسكة بعض الشيئ. في حين ان مستواه التقني عال جدا ولكن لم يعد أي شيئ يبهرنا الآن في الأفلام المتحركة عن طريق الكمبيوتر. جو الفيلم العام مخيف وغامض الى حد ما بالنسبة لي. المكان نفسه بالقطب الجنوبي بأقصى الكرة الأرضية مكان غامض. الظواهر الطبيعية هناك من ليل طوال الشتاء ونهار طوال الصيف والفجر القطبي الذي يصنع مزيجا من الألوان في السماء تتحرك كالأرواح الطائرة. كل هذه من الأمور التي أشعر تجاهها بالرهبة.

القصة الأساسية للفيلم (بدون حرق) هي لبطريق مختلف عن كل ابناء جنسه في أنه لا يستطيع الغناء ولكنه يستطيع الرقص. ولكن هذه ليست الطريقة التي يألفها الجميع لذلك يعتقد الكل انه بذرة فاسدة وسطهم وحتى ابيه لا يريد أن يرتبط به أو يدافع عنه فهو يريده ان يكون مثل الجميع. والبطريق لا يدري ماذا يفعل. انه لا يستطيع أن يكون مثل الآخرين لأنه لا يجيد الغناء ولكنه يستطيع التعبير عن نفس المشاعر بالرقص الذي يرفضه ابناء جنسه.

على رأس مجتمع البطاريق يوجد مجموعة من البطاريق كبار السن يتحكمون في أفكار الجميع. يصور الفيلم هؤلاء وزعيمهم ببطاريق عجوزة يتدلى جلد اعناقها بشكر مقزز. ترفض هذه المجموعة من البطاريق العجوزة أي تغيير في أفكار البطاريق بل وتتهم البطريق المختلف بأنه سبب غضب السماء عليهم ونقص الأسماك ويقتنع بهذا الكلام كل البطاريق الأخرى.

زعماء مجتمع البطاريق

يعرف البطريق المختلف ان هناك بشر وتعرف البطاريق العجوزة هذا الأمر أيضا ولكن عندما يواجههم أمام الجميع بذلك ينكرون ويتهمونه بالجنون. وعندما يوبخونه لأنه يريد جلب “الكائنات الدخيلة (البشر)” الى المنطقة يسألهم “ألم تقولوا أنه لا وجود لمثل هذه الكائنات؟ بم تتهمونني اذن؟” يتلعثم الكبار ولا يستطيعون الرد. تشعر جميع البطاريق بأنه لا عيب أبدا في ان ترقص ولكن عواجيزهم لا يريدون أي تغيير في معتقداتهم بأن الغناء وحده هو “طريقة البطاريق”. العجيب هو ان البطاريق تسلم عقولها في النهاية الى العواجيز وتعارض البطريق الراقص مرة أخرى وتتبرأ وتتوب من ذنب الرقص معه. وتتوالى الأحداث في قالب اجتماعي كوميدي (حته أهرام السبت)

أنا لا أريد أن أدعي أن صناع الفيلم يقصدون ما شعرته من الفيلم. ولكن هذا كان وقعه علي: هذه هي قصة ظهور الديانات كلها. وهذه البطاريق العجوزة الكريهة هم رجال الدين الذين اختطفوا الدين لأنفسهم يحرمون ما يشاءون ويحللون ما يشاءون. هم فقط أصحاب المعرفة وأي ادعاء منهم هو صحيح. يخافون من أي تغيير كي لا يفقدوا مكانتهم وقدستيهم بين الناس. يحاربون بشدة ليبقى الوضع على ما هو عليه والابقاء على دين الأجداد.

سمعنا كثيرا عبارة ان الانسان حيوان ناطق. لكن بعد مشاهدة الفيلم اعتقد ان الانسان بطريق ناطق. وباستطاعتنا جميعا أن نشير الى البطاريق العجوزة المترهلة التي تعيش بيننا. ولكن هل نجد في قلوبنا الشجاعة لكي نرقص؟

أجمل ما شاهدته هو مجموعة من الأطفال الحاضرين للعرض. لم يتمالكوا انفسهم وانطلقوا أمام الشاشة خلال اللقطات النهائية (لقطات الذروة) في الفيلم المليئة بالموسيقى الراقصة وأخذوا يرقصون. لو بس تفضل قلوبهم نقية بدون نبش من المترهلين.

4 comments on “الانسان بطريق ناطق

  1. Essam كتب:

    كلام جميل وكلام معقول ….
    أوافقك عليه
    كل جديد ومختلف يواجه دائماً بالرفض من أصحاب المصالح
    ومن بعض العوام …لخوفهم من التغيير ..
    فما تعودنا عليه خير مما قد نجده إذا تغيرنا..
    وهذه دعوى محاربى الأنبياء والرسل عبر العصور …
    بل نتبع ما وجدنا عليه أباؤنا

  2. ikhnaton2 كتب:

    يا ريت تبقى مجموعة الأطفال دى موجودة لما أروح أشوف الفيلم عشان أقوم أرقص معاهم لأنى بطريق راقص ولا أجيد الغناء 🙂

  3. rosses كتب:

    كلامك غير سليم بالمرة
    انا شفت الفيلم واستمتعت الى درجه كبيرة من قصة الفيلم
    وعنصر الابهار والاستعراضات التى لم اراها مطلقا فى اى فيلم
    انيميشن من قبل ..

  4. rosses: من قال ان الفيلم لم يكن مضحكا ايضا وممتعا؟ كل ما ذكرته ان هناك بعدا اعمق في الفيلم وصلني بهذا الشكل وكان هذا انطباعي عنه واحساسي به.

    ملحوظة: لا يوجد شيئ اسمه “كلام غير سليم بالمرة” عندما يتعلق الأمر بالرأي والتذوق.

اترك رداً على ikhnaton2 إلغاء الرد