أحمد زكي عثمان: لماذا لا تتسع دار الإسلام للبهائيين؟

وجدت على البريد مقال للأستاذ أحمد زكي عثمان كان قد نشره بتاريخ 19 فبراير 2007 بموقع الحوار المتمدن. يأتي هذا المقال وحديثه عن جلسة مجلس الشعب الشهيرة في الذكرى الثانية لها (3 مايو 2008). لا أعرف هل هي مصادفة أم لا أن يأتيني هذا المقال الذي لم أقرأه من قبل في هذا اليوم. يتميز المقال بالعمق الشديد لذلك اسمحوا لي بنشره كاملا ودون أي اضافات:

في نصه الذي يعد احد النصوص المؤسسة لفكرة الوطنية المصرية ، ذكر جمال حمدان في كتابه شخصية مصر أن الطغيان والبطش من جانب والاستكانه أو الزلفي من الجانب الآخر هي من أعمق وأسوأ خطوط الحياة المصرية عبر العصور ، وهي في النهاية النغمة الدالة في دراما التاريخ المصري. يقر حمدان بصحة هذه النغمة الدالة، وينصحنا ألا نخجل من هذه الحقيقة وألا تأخذنا العزة فنهرب ونكابر في هذه الحقيقة.لكنه من ناحية أخري يرفض فرضية أخري مشابهة وهي أن بلادنا هي أرض المتناقضات، حيث لا يري حمدان في التناقض بين خلود الآثار القديمة وتفاهة المسكن القروي ، وبين تناقض الوادي والصحراء علي أنه شيء سلبي ، وينسج بدلا من هذه الفرضية مقولة أن هذا جمع بين متناقضات وهو عبارة عن جمع بين أطراف متعددة وغنية، بصورة تجعل من مصر ملكة الحد الأوسط، وهي سيدة الحلول الوسطي.

يحمل حديث جمال حمدان مجازفة فكرية كبري، تتمثل في المزج بين الجغرافيا وبين مسيرة أمة،خصوصا إذا كانت مسيرة الأمة تتعرض منذ مدة طويلة من الزمان لحالة تعثر ولا تستطيع هذه الأمة أن تطلب أي مدد من الجغرافيا. وتبدو كافة التحديات التي تواجه هذه الأمة مستعصية علي الفهم والإدراك. فهي بلد فقير ومنكوب ليس فقط في النواحي المادية ولكن أيضا في النواحي المعنوية. وهذا الفقر عبارة عن مؤشر مركزي لكل أبعاد جغرافية قضاياها.

تناقض الخطاب المسيطر

مثالي هنا ليس من الماضي البعيد. بل هو مثال يتخذ من قضية معاصرة مدخلا. هذه القضية هي “جغرافيا البهائية” وهي قضية كغيرها من القضايا تستعصي علي الفهم والإدراك. ولا يوجد فيها إلا القليل من الوديان والسهول التي تصلح للسير، وتمتلئ جغرافية القضية حتي آخرها بعوائق صخرية لا مجال لاجتيازها ولا حتي لبلوغها. وهنا تخالف جغرافية قضية البهائية ما زعمه حمدان ، فبين الأنهار والوديان “تناقض واضح جلي”، ولا يعبر هذا عن أي جمع بين أطراف غنية متعددة. بل هو بمثابة تواجد لخطاب الطغيان والبطش من ناحية ، وبعض إرهاصات لخطاب التمرد من ناحية أخري. لنأخذ مثلا حالة التناقض في خطاب عام يسيطر علي هذه البلاد-و لا تستطيع منه فكاكا- يتوهم أن الإسلام مستهدف في كل لحظة. يعزز من هذا التوهم تصريح من بابا الفاتيكان حينا أو تصريح من وزير في حين آخر، ليؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المسلمين يمرون بحالة غير مسبوقة من القهر والضعف والهوان.

لا يعير هذا الخطاب أي اعتبار إلي منجزات حقيقية وواضحة للمسلمين في العالم ، وأهم هذه المنجزات تكمن في محاولات تحقيق مواطنتهم الكلية في مجتمعات غالبيتها من غير المسلمين. الإسلام ديانه ثانية في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها ، وهناك نواب مسلمون في برلمانات العالم الغربي ، بل وقاضية مسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية. القضية تكمن في أن ما حدث للبهائيين في مصر لا يمكن أن يحدث لأي مسلم في العالم (تحت حجة انه مسلم)، حتي في ظل أكبر دولة انتهاكا لحقوق المسلمين في العالم وهي الصين بالطبع.

هنا لا تعني المتنافضات المصرية ما بين صخور الرافضين وبعض سهول المؤيدين، وجود وتعايش بين أطراف متعددة وغنية، بل هو صراع علي الأحادية ونبذ الاختلاف. صراع ما بين قوي (محدودة العدد والتأثير) تري في الحياة والعالم مجالا ومساحة لرؤية ألوان قوس قزح ، وبين قوي لا تري في الأمة سوي انها النسيج الواحد وقطعة قماش مثل “البفتة البيضاء”. يصارع هؤلاء من أجل منع أي “وسخ” من أن يلحق بهذه “البفتة البيضاء”، او من أجل غسل هذه القماشة تماما في حالة ما إذا لحق بها أي أدران. البفتة البيضاء وأحاديتها ورفضها الجنوني للاختلاف في الألوان يخلق منهج الأحادية ، وهو منهج تعتمد جغرافيته علي تصميم جبال متوهمة بحيث يصعب بل ويحرم اجتيازها أو بلوغها. جغرافية مجلس الشعب هذا المنهج هو الذي يفسر لنا مثلا بعض السلوكيات الخاصة بالقوي السياسية والمجتمعية في بلادنا. خذ مثلا الطبيعه الجغرافية لمجلس الشعب، والذي قام قومة رجل واحد ضد حكما قضائيا من محكمة القضاء الإداري والذي صدر في أبريل 2006 .

جغرافية مجلس الشعب بسيطة للغاية فهناك عدد من نواب الحزب الوطني والإخوان وبعض المستقلين وهناك بعض النساء وبعض العمال والفلاحين ورجال الأعمال. حملت الهيئة الناخبة بعض هؤلاء النواب إلي مقره في وسط القاهرة، وحملت هيئة”البلطجة” بعضهم أيضا، وحملت خطابات دغدغة المشاعر العديد من هؤلاء النواب إلي المجلس.

المهم انه منذ حوالي 8 شهور، وبالتحديد في الثالث من مايو 2006 ومن خلال الجلسة رقم 69 لمجلس الشعب لدورة انعقاده العادي الأول من الفصل التشريعي التاسع، قرر رئيس مجلس الشعب فتح باب المناقشة في موضوع لم يكن مدرجا في جدول الأعمال، وهذا الموضوع لم يكن سوي بعض ملاحظات السادة نواب الشعب علي حكم قضائي صادر من محكمة القضاء الإداري بتاريخ الرابع من أبريل سنه 2006 والذي قضي بضرورة أن تقوم مصلحة السجل المدني (التابعة لوزارة الداخلية) بكتابة كلمة بهائي أمام خانة الديانة في الأوراق الرسمية.

جاءت جلسة مجلس الشعب حول البهائية بعد حوالي شهر من صدور حكم محكمة القضاء الإداري. وتضمنت الجلسة 7 طلبات إحاطة لوزير الأوقاف عن الحكم القضائي الذي يسمح للبهائيين بذكر كلمة بهائي في خانة الديانة في الأوراق الرسمية (مثل شهادة الميلاد والبطاقة الشخصية). جاء تاريخ الجلسة بعد حوالي شهر من حكم محكمة القضاء الإداري (بتاريخ 4 أبريل 2006)أي أن المجلس انتظر شهرا كاملا حتي يناقش مغزي الحكم (تمت في هذا الشهر حوالي 14 جلسة لمجلس الشعب). المهم أن المجلس تناول الموضوع في حوالي ثلث الجلسة. وكنت أتمني أن يظل التقليد الصحفي الذي ساد في فترة ما قبل الثورة بنشر مضابط البرلمان كاملة حتي يري الناس ما الذي يقوله نواب الشعب.قدم 7 أعضاء 7 طلبات إحاطة ، والأعضاء هم أحمد شوبير، صبحي صالح، أكرم الشاعر،علي لبن، السيد عسكر ، زكريا يونس، محمد عامر حلمي. وطلبات الإحاطة قدمت لوزير الأوقاف، أي لوزير ليس له علاقه بالقضية (القضية تتعلق بالسجل المدني والذي هو تحت السلطة الإدارية لوزير الداخلية). لا تكمن المشكلة فقط في اختيار خاطئ لشخص الوزير المسئول ولكن مكمن الخطورة في أن نص كلام مقدمي الإحاطة اعتمد علي درجة غريبة من هشاشة المعلومات وضبابيتها. واكتفي بعضهم بتأليب الحكومة علي “البهائيين” ، فقال أحمد عبد العزيز شوبير “ان البهائيين يحجون إلي إسرائيل”، ومضي يقول ” وهم اليوم (اي البهائيون) بعد أن كانوا مختبئين ….وعددهم لا يتجاوز الثلاثة آلاف في مصر يخرجون علي القنوات الفضائية ويعلنون بملء الفم أنهم بهائيون وأنهم يدينون بالديانه البهائية”( ص 6 من المضبطة). ما معني هذا؟ إذا كان الإنسان يعتقد في شيء فالبديهي أن يبادر بالإعلان عنه. هل سبق أن تم منع احمد شوبير أو غيره من أن يقول أنا مسلم؟ هل سبق وأن تم منع أي مسيحي من أن يقول أنا مسيحي؟ هل توقفت المشكلة عند الإقرار بقول إن هذا الشخص أو ذاك يظهر في التليفزيون ويقول أنا بهائي!!

فرقة كافرة

إذا نظرنا إلي كلام النائب صبحي موسي وهو من نواب الإخوان فسيتضاءل امامه كلام أحمد شوبير ، لقد طلب صبحي موسي من “الحكومة ممثلة في وزارة الأوقاف والازهر والوزارات المختصة والمعنية أن تتقدم بطعن وتتدخل في الدعوي وتقدم ما يثبت أن الفرقة البهائية، فرقة كافرة مرتدة بإجماع الأمة، ويجب أن تجرم أو يصدر تشريع يجرم هذا الفكر ويجرم هذه الجماعة حتي لا يفتح باب فساد في عقائد وأفكار ومعتقدات وأخلاق الناس خاصة أن هذه الفرقة الضالة تقوم علي مبادئ مخلة بالآداب وبالأخلاق وبالعقائد والأفكار ومن شأنها تدمير النظام العام والآداب العامة في المجتمع”.

جمل لا تعبر إلا عن عقلية مسكونة بحجم هواجس لا نهاية لها، عقلية تختزل وظائف مؤسسات الدولة في أن تكون محددة لكفر هذا القطاع من الناس ولإيمان البعض الآخر. والغريب أنه يمكن بتحوير بسيط للغاية لكلام السيد النائب أن يصبح موجها لأي ديانه سماوية أو غير سماوية.

نواب الشعب محكومون بالنصوص الدستورية التي توضح طبيعة وحجم دورهم في رقابة السلطة التنفيذية، لكن ما حدث هو ان نواب الشعب امتدت تفاصيل رقابتهم علي أعمال السلطة القضائية من ناحية وعلي الشعب من ناحية أخري. لقد خرج لنا هؤلاء الأعضاء ليحاكموا البهائية في مشهد نموذجي لاستلهام تجربة العصور الوسطي الأوربية في التفتيش في الضمائر، وتأويل الأمور والسخرية منها، ولم يكد ينقص المشهد إلا أن ترتفع بعض الصيحات بحرقهم. عبرت تلك اللحظة عن رافد أصيل في “أحادية” هذه البلاد ، لم يفكر أعضاء مجلس الشعب في رؤية واضحة لحدود دورهم في النظام السياسي. وكان من الطبيعي بعد ذلك أن تكون الأجواء المسيطرة علي مناقشات المجلس علي مدار ثلث جلسة من جلساته قضية البهائية مناقشة تخلي فيها المجلس عن التقاليد السياسية الرفيعة لصالح تقاليد الشعوذة والخرافة وترديد الأخطاء وراء الأخطاء. وسط هذا المناخ لم تفلح محاولات رئيس المجلس وهو القانوني المخضرم أن يمنع هذا المونولوج السخيف. فقد حاول مرارا (و الحق يقال) أن يوضح أن هذا الحكم عبارة عن حكم قضائي والمجلس لا يراقب السلطة القضائية، وقال أيضا إن المجلس يناقش موقف الحكومه من الحكم ولا يناقش البهائية ذاتها. جدير بالذكر أيضا أن د.زينب رضوان، وهي الأكاديمية الوقور وأصالتها الفكرية لم تستطع أن تمنع هي نفسها من ترديد التهم ذاتها من أن البهائية عبارة عن “فكر منحرف”.

الهزيمة النفسية للأمة

جاء يوم السبت الموافق 16 ديسمبر حاملا إلينا حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية بقبول طعن وزارة الداخلية ضد حكم محكمة القضاء الإداري (الذي صدر في أبريل الماضي)،و هو الحكم الذي قوبل بدرجة كبيرة من الارتياح وسط الراي العام وما صاحب هذا الارتياح من إطلاق صيحات «الله أكبر» في قاعة المحكمة التي شهدت الحكم لتخرج إلي الفضاء العام.

المسافة ما بين حكم محكمة القضاء الإداري في أبريل وحكم المحكمة الإدارية العليا حولي 8 شهور ، وهي مسافة زمنية قصيرة ليس في عمر الشعوب فقط وإنما في عمر القطاع الأعم من الناس في بلادنا. لكن شهدت هذه الشهور متوالية من الأزمات، فهناك كانت تصريحات بابا الفاتيكان، وبعدها بقليل تصريحات لوزير الثقافة. وعلي الرغم من عدم وجود منطق رابط بينهما إلا أن البعض اعتبر أن كلا التصريحين بمثابه سهام ضد الإسلام من الداخل ومن الخارج. ولدي البعض فهذه التصريحات علامة خير علي إفلاس أعداء الإسلام في الخارج والداخل. في هذا الفضاء تحديدا تلوح لنا جغرافيا المتناقضات، لقد إنتشر خبر تصريحات وزير الثقافة في كافة أرجاء البلاد ،لكن لم ينتشر قبل هذه التصريحات بأسابيع معدودة خبر الجريمة الجماعية(حالات التحرش الجنسي الجماعي) في مثلث الرعب في “وسط البلد” ، علي الرغم من أن الموضوع في كل من القضيتين هو النساء. هذا تناقض في تناول القضايا(و المفترض أن الموضوع واحد هو النساء ففي تصريحات فاروق حسني هجمة علي حجاب النساء ، وفي أحداث التحرش هجمة علي أجساد النساء). هذه المدة الزمنية أفرزت أيضا تناقضا علي صعيد صيحات «الله أكبر» والتي تم إطلاقها في قاعة المحكمة. التصريحات كانت بمثابة إعلان ما عن حجم الهزيمة النفسية للأمة، وبالتأكيد كان علي الناس الانتصار لهذه الأمة. وتبدت أفضل وسيلة للانتصار في “دحر” البهائية وخطرها وذلك عن طريق قبول طعن وزارة الداخلية علي حكم محكمة القضاء الإداري. لقد كان الحكم بمثابه حلقة في الحرب من أجل نصرة رؤانا الأحادية للذات وللتاريخ وللوطن.

الجنسية والمواطن والمعتقد

ليس ذنب البهائيين أن مصر أرض المتناقضات ، وليس ذنبهم أيضا أن هذه المتناقضات قد أفرزت نتائجها الخاصة بالتأكيد علي الإحادية ونبذ المختلف. إنني أدعوكم للحظة في التفكير معي في هذه القصة الخيالية القابلة للحدوث في أي وقت، والتي لا يوجد أي مانع من حدوثها. تخيلوا أن ارتحل إلي مصر في وقت من الأوقات نفر من الناس رجالا ونساء (لتحسبهم سياحا او عمالا أو أي شئ المهم أن هؤلاء الناس جاءوا إلي بلادنا)، وتصادف أن كانوا ينتمون إلي بلدين ، فمنهم من كان من الهند ومنهم من كان من الصين.و بدون سابق إنذار قرر هؤلاء الضيوف بناء علي ما لمسوه من كرم الضيافة في مصر وطيبة شعبها وأخلاقه الدمثة وحضارته التي تمتد إلي 7000سنه وربما 9000، أن يجعلوا من أرض مصر الطيبة التي تفيض بالخيرات مقرا لإقامتهم. وتمكن كل فرد من هؤلاء من الحصول علي مسكن لائق وعمل مناسب ومفيد لشعب مصر.و بعد فترة أضحي ما مكثوه في مصر من زمن كفيل بان يضعهم تحت حكم المادة 11 من المرسوم بقانون رقم 26 لسنه 1975 بشان الجنسية المصرية.أي أنه يحق لهم التجنس بالجنسية المصرية ويصبحوا مواطنين مصريين كاملي الأهلية.

الجنسية المصرية محكومة منذ العشرينيات من القرن العشرين (المادة 11 من المرسوم بقانون 25 لسنه 1926، والمادة 8 من المرسوم بقانون 19 لسنه 1929 بشأن الجنسية المصرية) بمساحة شبه مدنية. في شروط التجنس بالجنسية المصرية لم ترد الأديان السماوية كشرط من شروط اكتساب الجنسية. أنا أتحدث هنا عن قانون الدولة ، قانون له استمراريته. وفي حالة القصة السابقة سيأخذ هؤلاء الضيوف الجنسية ، دستوريا وقانونيا ولائحيا لا توجد أي مشاكل ، لكن وكمثال البهائية (أنا لا أقصد هنا أن البهائيين غرباء عن ديارنا) هناك مشكلة صغيرة أن بعض هؤلاء كانوا من الهندوس (يوجد في العالم حوالي 900 مليون هندوسي)، ومنهم من يتبع الأديان الصينية التقليدية (عددهم في العالم 350 مليون)، ومنهم البوذي (عددهم في العالم 376 مليون)، ومنهم السيخ (يوجد حوالي 25 مليون من السيخ )، إن جميعهم من غير أتباع الديانات السماوية الثلاث. والسؤال هنا ماذا يفعل السجل المدني في هذه اللحظة؟ هل سيفتي السجل المدني أنهم مرتدون عن الإسلام؟ ومن ثم يمتنع عن استخراج شهادة ميلاد لأطفالهم مكتوب عليها معتقداتهم؟ وإذا تم رفع قضية هل سيتناول القضاء في حيثياته السخرية بأن هذا المعتقد يسجد لبقرة وذاك يسجد لصنم؟

في البيان الصحفي الذي صدر عقب حكم المحكمة شهدنا مناظرة حول البهائية وتعاليمها،و أصارحكم القول أنني كمسلم أؤمن بكل حرف ورد في هذه المناظرة، لكن مشكلتي الوحيدة أن هذه المناظرة ليس مكانها المحكمة والتي تكمن وظيفتها في الفصل الحيادي في المنازعات وليس محاكمة معتقدات الناس.

من يتحدث إلي من؟

تتبدي في هذه اللحظة صخرة عالية شاهقة وهي فهم الناس للإسلام -و هنا لا أقدم نفسي فقيها- ولكنني أذكر أنني قرأت أن الإمام محمد عبده قد قال كلاما مختلفا عن البهائية، وقد كان من السهل أن أذهب إلي الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده (التي حققها وقدمها د. محمد عمارة، طبعة دار الشروق 1993) في الجزء الثالث المعنون بـ “الإصلاح الفكري، والتربوي، والإلهيات”، في 557 – 562 لأعيد قراءة حوار حول البابية والبهائية والذي دار بين الأستاذ الإمام والشيخ رشيد رضا.

يسأل الشيخ رضا عن رأي الأستاذ الإمام قائلا: وماذا عن عباس أفندي؟ اسمع أنه بارع في العلم والسياسة ، وأنه عاقل يرضي كل مجالس!! فيجيب الأستاذ الإمام قائلا “نعم .. إن عباس أفندي فوق هذا إنه رجل كبير، هو الرجل الذي يصح إطلاق هذا اللقب-(كبير)- عليه. ويذهب الشيخ رضا في السؤال مذهبا آخر قائلا “إني اجتمعت بميرزا فضل الله مرارا، وناظرته، فألفيته يستدل علي صحة تعاليمه بثباتها هذه المدة، وانتشارها ونموها، ويحتج بآيات من القرآن علي أنه لا يدوم ولا يثبت إلا الحق”. ماذا كان رد الأستاذ الإمام ، رد يقول “و أنا أقول إنه لا يثبت ويدوم إلا الحق والخير…ولكن دعوة القوم (أي البهائية) لم يطل عليها الأمد بحيث يصح الإحتجاج بهذا…و أما من له حياة كالدعوة إلي دين أو مذهب فلا يثبت ويدوم إلا أذا كانت الدعوة حقا في نفسها، وإن احتف بها في بعض أطوارها شئ من الباطل فهو عرض لا يمنع دوامها وبقاءها، بخلاف الدعوة الباطلة من أساسها، ولهذا لم تثبت دعوي أحد من الذين ادعوا النبوة بعد نبينا(ص) لأنه خاتم النبيين…..”

في هذا الحوار ملمحان، سجال عقلي يطعن في البهائية، والملمح الثاني إحترام للآخر ولمعتقده، بل وللإجتماع معه (قال الشيخ رشيد إنه إجتمع بميرزا فضل الله مرارا).في السابق كان المتحدث هو الأستاذ الإمام والمستمع هو الشيخ رشيد رضا وشتان ما بين حوار فيه مثل هذا المتحدث وهذا المستمع ، وبين حوار أحادي الجانب سواء كان في مجلس الشعب أو في قاعة المحكمة أو حتي علي المقاهي . في حوار الأستاذ الإمام حديث لا يذكر فيه لا التخوين ولا الكفر ولا السخرية من معتقدات الناس، إنه تأكيد علي التنوع البشري ، والقفز للامام مائة خطوة في التفكير من خلال البحث في مزايا ونقاط قوة العقائد الأخري، وفي استماع الشيخ رشيد رضا استماع شريك في الحوار ، استماع المتسائل بحكمة وعمق ومعرفة والأهم في هذا كله أنه درس عملي حول فضيلة التواضع. وهي كلها أمور يندر أن نجدها في زماننا هذا.

مساحة الأوهام ومساحة الحقائق

هذه ببساطة جغرافية القضية البهائية حيث مساحة الأوهام أكبر من مساحة الحقائق ، وحيث إن كل سطر يكتب وكل جملة تدافع عن حق البهائيين في ذكر الديانه في أوراقهم الرسمية بمثابة محاولة لتسلق الجبال.و حيث الصراع علي دولة أحادية التفكير والمنظر علي أشده ، وحيث إننا لا نفكر سوي في نمط موحد من الرؤية، وحيث إننا لا نعترف بثقافة قبول الإختلاف، من هنا يصبح من السهل ألا نتحدث عن أي واقع ملموس وإنما نفرط في تصويب الرماح علي الأوهام التي نسجناها نحن بعقولنا. لقد قيل في البيان الصحفي مثلا إن البهائية خطر علي النظام العام، وحيث لا يوجد لدينا تحديد لجغرافية النظام العام، فيمكن القول أن هناك مناحي تقريبية لهذا النظام العام. فمثلا حدث منذ شهرين بالتحديد، في منطقة جغرافية تسمي “وسط المدينة” أن تهددت بلادنا بواحد من أكبر الأخطار الأخلاقية في تاريخها الحديث وهي أن النساء في الشوارع تم امتهان كرامتهن بشكل جماعي . لقد تم تهديد النظام العام، ولكن هل كان هناك دور للبهائيين في هذا التهديد للنظام العام؟ في هذا الشهر(ديسمبر) عرض مجموعة من الطلاب عرضا لفنون الكونغ فو ليلقوا الرعب (في قلوب الأمن أم في قلوب الطلاب؟)، وقد مثل هذا العرض تهديدا للنظام العام، وبالتالي يثور تساؤل هل كان للبهائيين دور في هذا أيضا؟.

حالة من الكبر هي التي تميز حالة التعامل مع البهائيين. ولا يوجد مبرر منطقي لها .لماذا كل هذا الكبر، لماذا لا نعترف بحق الناس في أن يؤمنوا بما استقر في قلوبهم ، لماذا لا تتسع دار الإسلام والتي هي بمثابة “دار السلم” لجميع الناس. في حكم قضائي للمحكمة الإدارية العليا في قضية اخري حول البهائية، قالت المحكمة (وذلك في عام 1983) “إن دار الإسلام قد وسعت غير المسلمين علي اختلاف ما يدينون يحيون فيها كسائر الناس بغير أن يكره أحد منهم علي أن يغير شيئا مما يؤمن به”. هذا قول محكمة أخري والسؤال هو لماذا نفضل هنا خلق حالة غربيه وغير مبررة علي الإطلاق من الخوف والإنكفائية وذلك تحت وهم أنهم يستهدفون البلاد والعباد؟. وفي النهاية تبقي كلمة صغيرة وهي أن أعلب الأحلام تتميز بتفاصيل عن الأماكن وعن الأفراد (أي عن الجغرافيا)، لكن هناك حلما سيقفز فوق حدود الجغرافيا، سيجتاز جبل الأحادية وسيحطمه، سينهي بلد المتناقضات، وسيظهر بعدها سهل خصيب،يحيا فيه المصريون وهم يتمتعون فيه (نساء ورجال، من الشمال ومن الجنوب مسلمون وغير مسلمين، فقراء وأغنياء، ضعفاء وأقوياء) بالكرامة والحقوق والحريات.

13 comments on “أحمد زكي عثمان: لماذا لا تتسع دار الإسلام للبهائيين؟

  1. غير معروف كتب:

    هى الأديان طبخة الى بيعرف يطبخ يطبخ دين جديد ولا ايه على العموم انا اسمى بهاء وقول لكل البهائيين يحكموا عقولهم بدل ما يطلع واحد منهم اسمه ضياء يعمل دين جديد وسموه الضيائيين ههههههههههههههههه

  2. اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله كتب:

    ربنا يهديهم يارب ويرجعوا عن الدين البهائى دة الى محدش يعرف عنه حاجة دة وربنا يسامحهم قولوا امين افهموا ان محدش فى الانبياء اسمه بهائى دة وان دة كله تخريف وان الحقيقة ان الدين المعترف بيه هو الاسلاموالنبى خاتم الانبياء سيدنا محمد سيد البشر وسيدكم ومن الجحيم الكفر الى جحيم جهنم

  3. احمد عبد السلام كتب:

    الحمد لله اول مرة يكون في فايدة لمجلس الشعب و ياريت يعرفوا يعملوا حاجة تخلصنا من المعبيل دول

  4. امجد كتب:

    انا لاأجد اي مانع من وجود اي عدد من الديانات السماويه و غير السماويه بمصر .
    وأجد أن من يعترض على ذلك فذلك لانه يعتنق دين هش يخشى عليه من الانهيار
    انا منتظر الردود القذره بسرعه من اصحاب الدين اللى على ماتفرج

  5. غير معروف كتب:

    يا أصحاب العقول ، حكموا عقولكم ، هذه ليست شريعة ولا ديانة ، هذا فكر منحرف سيبلى به من ليس لديه عقيدة وايمان بالله الواحد الديان ، وكل يوم سنسمع عن فكر شاذ ومنحرف عن صحيح الإيمان ، ولا نقول الا الحمد لله على نعمة الإسلام ، والدعاء من الله ان يميتنا على هذا الدين الحنيف

  6. حامد على محمد كتب:

    يا اصحاب العقول دليله نفسه ظهوره بياناته ومن يعجز عنها اياته المنزله

  7. غير معروف كتب:

    لا اله الا الله

  8. جنة ابراهيم ابوالحسن كتب:

    اشهد ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله

  9. ابو ضياء كتب:

    قال الله تعالى : ( ومن يبتغ غير الأسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الأخرة من الخاسرين) نحن في الالفية الثالثة وفيه أناس كثيرون متخلفون يا للعجب كل يوم على مستوي العالم يدخل اناس كثيرون للدين الأسلامي ونحن بلد الأزهر يرددون البهايئة ما هذا التناقض يجب التصدى بحزم لهؤلاء الملحدون التابعون للشيعة المتخلفين

  10. النور كتب:

    نعم بلد الازهر الذي يصافح شيخه طنطاوي بيريز بكل حب ووئام ويقول ان بين مصر واسرائيل معاهده سلام فلا باس ان اسلم على عدوي…وهنا نقول انت تسالم وتصافح عدوك في بلد لك معه حرب سابقه اليس من الاجدر ان تصافح ابناء بلدك البهائيين يا شيخ طنطاوي ويا بقيه المصريين…واذا كانت مساله الرساله قلقاكم فهذا الهندي مرزا احمد غلام الهندي (وهو من المذهب السني) يدعي النبوه ويقول انه الامام المهدي والمسيح الموعود فلماذا لاتتكلمون عنه وهم ينتشرون في مصر بسهوله ورؤسائهم في مصر المهندس فتحي عبد السلام وغيره واتباعهم في العالم بالملايين لماذا السكوت عنهم وتركزون على البهائيين!!!!

  11. ابراهيم كتب:

    انتظر المفجاة ان شا ء الله بحث يظهر ضلال الجماعة الكا فرة من ابناء الاذهر الشريف

  12. Nesreen Akhtarkhavari كتب:

    مقالة رائعة وتحليل منطقي يركز على الخلل الإجتماعي الذي يفرزه مفهوم “الأحادية” في تكوينة المجتمع وما يترتب عليه من إنتهاك لحرية الأقليات. من الغريب أن بعض الشعوب المسلمة وقياداتها الدينية تراه حق الدول الإسلامية (وفي الغالب العربية) المشروع في الحفاظ على بنيتها الإجتماع (وبياض صفحتها من العوامل الدخيلة) وفي نفس الوقت تراه وباطل وظلم وتعصب إذا مارسته أو نادت مثله دول غير إسلامية.

  13. adahm كتب:

    انامواطن من مصر تم اتهم انى عايز اتنصران وتم اطهاطى من قبل قسم ونقط الطالبيه والعمرنيه وقسم السيدة زينب وتم طردى من هناك وجاى ابن عمى وغدنى الى السيده وهناك وضع اجهزه لى وقال انا وديك عند ابوك وضع الجهزه من قسم الطالبيه والسيده ونقط الطالبيه وامن دوله وجهزه قسم الطالبيه والسيدة زينب فى الاملابس وامن دوله دخل الجسمى وتم زواجى ابى وقسم الطالبيه والسيده زينيب شال الجهزه معده امن دوليه قال حنى نخد ايه حد نسب زى البهائيين وعبد الشيطان وانت لا.. لازم نقعد معاك 20سنه والجهزه فى دخال جسم هى عبارة عن اجهزه متوزعه على المخ والشرات والعصاب والعين والانف والازن والحنجره والنخاع الشوك وسلسلة الدهر وفم المعده والمعده والقلب والكليه والكبد والمفاصل وفتح الشرج والعضوء الابشرى … وتم تعذيب و العاب فى العصب والمخ والاحلام والأفكارذلك تعذيب لاعلام ليه وتم استعمال القرين وذلك كافر والجهزه كافر وتم تعذيب من 2011 حتى الان ورحتى منظمه حقوق الانسان المصريه فى المنيل كرنش النيل والم تعمل شئ …وتم تصور زوجه ابى واخواتى البنات وزجه اخى غير قال لو حد فتح فمو نقول عليه كافر ونعمل صور فضح ليه بل جانى وتم تعذيب حتى اتمنع من الصلاه وقال لازم تكفر وحنى مش عاوزنك تبك مسلم ولامسيحى وانا لم اعرف كيف تصرف حتى العمل لا اعمل والعيش انى لاعيش حياه بسب طباط الشرط من امن دوله تستعمل السحر الاسود وتعذيب ومنعى من الصلاه وكل زلك طباط كافر بى ربنه عشان تعزب الناس وبس هده يعقل وصلاه صلاه استخاره وجد ريه ومنعونى منه وقال حتى هوحتى هو ما يعرف ينكزك ولا عرف اعمل ايه تم دمرى على يد طباط كافر الستعمل القرين حلال وتعزيب حلال وتكفير حلال وهو من الاسلام والجهزه موجوه حتى الان وقال انى عبدت الشيطان والبهائيين دينه سمويه والمسيحية دين كفر ودمهم حلال وفجر السفاره الامريكيه والروسيه والفرنسيه والايطاليه والصنيه حتى نسبك وتسبت انك مسلم وانا حق عاوذ الجوء الدينى وحمايه من الامنظمه اسم ايمن عصام رقم الجوال ٠١٠٦٤٩٢٨٨٢٤ يوجد شكوى فى منظمه المصريه تكد منه

اترك رداً على غير معروف إلغاء الرد